السلام عليكم , أنقل لكم هالمقالة من الاقتصادية نصا لما فيه من دروس
الخط الصغير يتعب العين , ممكن تنسخ وتلصقها على وورد وتكبر الخط إن حبيت
ريتشارد واترز - - 29/11/1426هـ
في بعض الأحيان، يكون من المجدي التفكير على نطاق واسع. وما عليك سوى التحدث إلى سيرجي برين، أحد مؤسسي "جوجل" Google، لتعرف على نحو سريع أنه لا يريد أن يكون مقيداً بالمقاييس العادية للنجاح التي تحدد الوجود اليومي لمعظم بني البشر. ويقول: "نحاول السعي خلف العوائد الكبيرة، سواء فيما يتعلق ببناء الشركة، أو ما يعود منها على العالم".
ولم يخجل كل من برين والمؤسس المشارك، لاري بيج، اللذين ما زال كل منهما في الثانية والثلاثين من العمر فقط، بشأن طموحاتهما الكبيرة جداً. وكان واحد من الأهداف التي تم توضيحها في بيان غير عادي أثناء انطلاق شركتهما في "وول ستريت العام" الماضي هو في"جعل العالم مكاناً أفضل مما هو عليه"، ولم تكن تلك الفكرة بعيدة عما هو واضح على السطح.
ولدى سماع برين يترنم حالياً بمستقبل البحث على الإنترنت، يصبح من الواضح رؤية النطاق الواسع لتفكيره هو وبيج. ويقول: "إذا أُتيحت لك الفكرة فوراً بما يشبه دماغاً ثانياً تقريباً، فستكون في أفضل حال". ولما كان برين ـ رجل الواجهة بين الاثنين - يخطو خطوة إلى الأمام، كان بيج الذي ظهر لتوه ينسل بشكل صامت، خارج الغرفة بابتسامة تحمل رائحة المؤامرة.
ودماغ الإنسان، على حد قول برين، هو "برهان قائم على كيفية جعل البحث أفضل". وهذه الشريحة البيولوجية من "السهل جداً استخدامها، من ناحية ما، وهي سريعة جداً، وأسرع بكثير من طريقة العمل التفاعلي بين الإنسان/ والكمبيوتر في وقتنا الحاضر... وبناء عليه، من الواضح أن هناك مجالاً كبيراً لإجراء التحسينات، وليس هناك سقف صلب نضرب عليه".
فهل تماثل محركات البحث يوماً قوة دماغ الإنسان؟ لماذا لا؟ فعندما يتجاوز عمرك 30 عاماً، ومع وجود ما تم وصفه بأنه أقوى مصدر للحوسبة في العالم في متناول يدك، ووجود مليارات الدولارات التي يتم إنفاقها، فإن كل شيء يبدو ممكناً.
ومنذ بداياتهما، طالبين لما بعد التخرج في جامعة ستانفورد في قلب وادي السليكون، لم يخش برين وبيج مطلقاً من التفكير في أشياء كبيرة، أو جعل نفسيهما بعيدين عن الجماهير. ويقول ديفيد يوفي، أستاذ التجارة الدولية في مدرسة هارفارد للأعمال: "إنهما ذهبا عكس التيار". وفي أواخر التسعينيات، وبعد فترة لا بأس بها من ازدهار الإنترنت، أصبح البحث الإلكتروني غير مرغوب فيه كنشاط عملي مدر للأموال، أو كمجال مهم تكنولوجياً. ويقول يوفي: "أخذا جانبا من النشاط قرر الجميع أنه جانب منته". وكانت النتيجة واحدة من أكثر قصص قطاع الأعمال نجاحا في حقبة الكمبيوتر.
ومن عدة جوانب، كان عام 2005 هو العام الذي أصبحت فيه فكرة كل من برين وبيج الكبيرة موضة العصر، رغم أنه ما زال عليهما إثبات أن بإمكانهما تأمين حيز لـ "جوجل" في تاريخ قطاع الأعمال، بحيث يغدو أكثر من مجرد طرطشة إنترنت أخرى، رغم أنها مذهلة.
وتطلب مجرد الوصول إلى هذا الحد بذل بعض الجهد. ويقول جون باتيلي، مؤلف كتاب "البحث" The Search وهو واحد من أوائل الكتب التي تحدثت عن الشركة الصغيرة: "لا بد أنها كانت فترة محيرة جداً، لكن يبدو أنهما استطاعا تخطيها بشكل رائع جداً".
وتردد صدى تأثير محرك البحث "جوجل" في شتى أرجاء العالم. وبينما تعتبر "ياهو" Yahoo منافساً قريباً في الولايات المتحدة، فإن ثلاثة من أربعة محركات للبحث التي تم تنفيذها في أماكن أخرى تم إنجازها على أسس "جوجل". وفي الوقت الذي يصبح فيه عدد أكبر من سكان العالم على الإنترنت، فإن ذلك حولها إلى قوة اجتماعية وسياسية مهمة. ويقول برين حول إمكانية الوصول إلى المعلومات التي تمنحها "جوجل": "كان الأمر ديمقراطياً عبر البلدان وداخلها. لم يكن لدى أكثر الباحثين أهمية في جامعة ستانفورد قبل 10 أعوام مضت نوع الوصول إلى المعلومات الذي يملكه اليوم أي شخص قريب من مقهى للإنترنت في بنغلادش".
ومن غير المدهش أن هذا النوع من السلطة على المعلومات اجتذب المعارضين - وهو أمر بدا في وقت ما أنه اجتذب برين وبيج في مثالية الشباب الخاصة بهما دون وعي منهما. وما زالا على نحو واضح، يصارعان مع التسهيلات التي حصلا عليها للفوز بإمكانية الوصول إلى الصين، حيث تتم مراقبة محرك البحث الخاص بهما. وفي إشارة أخرى خلال هذا العام إلى الشكوك التي بدأت تتجمع حول سلطتهما العالمية، أثار السياسيون في فرنسا واليابان فكرة إيجاد محرك بحث إنترنت وطني خاص بهم من أجل مواطنيهم.
وإذا بدأت قوة محرك "جوجل" تشكيل إمكانية الوصول إلى المعرفة من قبل المجتمعات كافة في إدارة الرؤوس، فإن قطاع أعمال الإعلانات على الإنترنت الذي ساعد على إيجاده، أشعل ما يشبه الفزع في بعض زوايا وسائل الإعلام، والاتصالات، وصناعة البرمجيات.
وربما بدا في الماضي قطاع عمل ربط إعلانات "رئيسية" مع نتائج البحث، خطاً جانبياً واعداً بالنسبة إلى"جوجل" و"ياهو" اللتين كانتا رائدتي الفكرة. وخلال هذا العام على أية حال، ازدادت عوائد "جوجل"، وتضاعفت عن العام السابق، وحولتها بين ليلة وضحاها إلى أكثر شركات الإعلام شهرة في العالم. وأجبر ذلك الإعلان التقليدي وقطاع الإعلام على إعادة التفكير في خطط الإنترنت الخاصة به، وتقرير ما إذا كانت "جوجل"، مع قدرتها على السيطرة على توجيه اهتمام مستخدمي الإنترنت، حليفاً أم عدواً.
ويقول برين عن الفكرة الرئيسية للإعلان: "لم يفاجئني النجاح، لكنني فوجئت بدرجته". حتى إن قوة القطاع أجبرت العدو الرئيسي، شركة ميكروسوفت Microsoft على تغيير اتجاهها وتركيز معظم جهودها على بناء خدمات الإنترنت الشبيهة بخدمات "جوجل" لاجتذاب جمهور إنترنت أكبر.
وحين أصبحت قوة تقنيتهما وقطاع عملهما واضحين، كان عام 2005 كذلك هو العام الذي أسس فيه برين وبيج شركتهما كشركة تستخدم العديد من ألمع الأفكار في قطاع صناعتهما. وتمثل إغراء العمل لدى أفضل شركة في وادي السليكون في المعركة القانونية التي انفجرت فجأة مع "ميكروسوفت"، حين استقال كيا - فو لي، وهو من أفضل الباحثين، من عمله من أجل إدارة عمليات "جوجل" في الصين.
ويقول يوفي: "إنهم يجتذبون أفضل الأشخاص. أصبحوا مغناطيسا للمواهب". ويضيف: "إن إيجاد ذلك المستوى من روح وقوة المغامرة أمر يرغب الكثير من الشركات الأخرى في محاكاته". والضغوط التي أوجدها هذا النمو السريع، ربما تكشف رغم ذلك الضعف في أنظمة الإدارة الأخرى، لكن عجلات عربة "جوجل" لم تسقط حتى الآن على الأقل.
وجلب النجاح المعارضين، وكشف عن منافسين بإمكان الشركة اليافعة النجاح دون وجودهم. وأثار أيضا أسئلة حول قدرة برين وبيج ـ إلى جانب إيرك شميدت المساعد الخبير من وادي السليكون الذي أُحضر ليكون رئيسا تنفيذيا مسؤولا ـ على النمو في ظل الأدوار الجديدة التي أوجدها لهما نجاح شركتهما.
ويدور الحديث كله في الوادي حالياً حول "رد الفعل المعادي لـ "جوجل"، في الوقت الذي من المحتمل أن تتعرض فيه مصالح الشركة القوية لتهديد إعادة تجمع شركات الإنترنت الناشئة. وكان قطاع صناعة الكتب الذي استعدته خطة "جوجل" لإيجاد نسخ رقمية من الكتب المحمية بقانون حق المؤلف وجعلها قابلة للبحث عبر الإنترنت، هو الأول الذي بدأ الهجوم.
ويحاول برين إبعاد الدعاوى القانونية. ويقول: "أعتقد أن هناك بعض الصخب، ولا أعتقد أنه أمر مثير للجدل إلى هذا الحد". ويضيف: "إنني أثق في رسالتنا لجعل المعلومات قابلة للوصول إليها، وأعتقد أن حجما كبيرا من المعرفة في العالم يتم إخفاؤه في الوقت الحاضر عن أعين الناس".
ومثل تلك الادعاءات التي تتضمن أن لـ "جوجل" دوراً رئيسياً لتمثيل مصالح المستهلكين، إلى جانب التأكيدات أنها توجد فرص أعمال جديدة يجب أن يرحب بها الناشرون، عملت على إغضاب ناشري الكتب وأنعشت أيضاً مزاعم الغطرسة التي أحاطت لفترة طويلة بالشركة.
ويلقي أحد الأشخاص المقربين من برين وبيج، رفض الإفصاح عن اسمه، اللوم بشأن الكثير من ذلك على السرعة العالية التي تنمو بها "جوجل": لا يملك المؤسسان ببساطة الوقت لتوضيح نفسيهما أمام شركات وسائل الإعلام كافة، والسياسيين، والآخرين الذين تتقاطع طرقهم حالياً. ويعترف هذا الشخص على أية حال، بأن ذلك يعكس افتقارهما إلى الخبرة. ويقول: "إنهما بريئان، لكنهما يعرفان الكثير حالياً مقارنة بما كانا يعرفانه قبل عامين".
وفي الأمر ما هو أكثر من مجرد عدم الخبرة، إذ تم بناء نجاح برين وبيج على عدم الرغبة في التنازل. ورفضهما اتخاذ الخيارات السهلة كلفهما في بعض الأوقات شركتهما، حسب الشخص المقرب منهما ـ مثلا، حين رفضا نشر الإعلانات على الصفحة الرئيسية الخاصة بهما.
وارتبطت مع ذلك ثقتهما في قوة الفكر والتكنولوجيا. وإن النظام الخوارزمي الذي يقود محرك بحث "جوجل" هو أنقى تعبير لذلك: ففي حين التجأت "ياهو" إلى المحررين من بني البشر لمساعدتها على تصميم بعض خدمات الإنترنت، كان حافز "جوجل" الثقة الكلية في قدرة التقنية على استنباط المنطق من المعلومات البشرية.
ويقول باتيلي: "كل شركة هي من جهة أو أخرى صورة عن الحمض النووي لمؤسسيها". ويضيف: "الحمض النووي لسيرجي ولاري هو إلى حد ما هندسة عنيدة لا تساوم".
وهذا المنهج الفني التقني منفرد التفكير يمكن أن يبعد حتى الداعمين. وكتب دوغ إيدوارد الذي أمضى ستة أعوام في "جوجل" رئيسا لإدارة العلامة التجارية والتسويق للمستهلكين، في مدونته على الإنترنت الشهر الماضي، مستذكراً إذلاله خلال اجتماعه الأول مع برين، عندما سأله مؤسس "جوجل" عن علاماته في المدرسة. وكتب قائلاً: "رغبة سيرجي في اختزال كل قرار إلى معادلة كان يسبب لي قدراً من الإحباط في السنوات التالية". ويضيف: "ففي حين فرض ذلك نظاماً على شخصي كان مفقوداً في سيرتي المهنية حتى تلك النقطة، إلا أنه مضى ضد قناعاتي العميقة جداً بأن بعض الأشياء لا يمكن التعبير عنها ببساطة باشتقاق النظام الخوارزمي الصحيح". والتفوق التقني الذي وصل بهما إلى هذا الحد ربما لن يكون كافياً لضمان النجاح المستمر لبرين وبيج. ويقول مراقبون مثل توم دافنبورت، وهو مستشار إداري وكاتب، إن عليهما تعلم مهارات جديدة. ويضيف: "إنه ليس اعتقادا غير شائع في وادي السليكون أن التقنية تتغلب على كل شيء".
ويضيف: "لكن عليهما في المستقبل أن يقتربا من الأمور كأكثر من مجرد نقطة توقف تقنية". وفهم الطريقة التي يجد بها الأشخاص المعلومات ويستخدمونها هي إلى حد كبير مسألة أنثروبولوجية كما هي تقنية، كما يقول.
وبينما ينتشر تأثير محرك البحث الخاص بهما، فإن تعلم توافق المصالح للشركات الأخرى يصبح أيضا أكثر أهمية. ويذكر باتيلي شراكة هذا الأسبوع مع AOL على أنها أول إشارة لرغبة "جوجل" في التفكير كالشركات الأخرى الناضجة، بموازنة المشهد الاستراتيجي الأوسع قبل طرق تحالف من الراحة المتبادلة. وهذا السلوك غير الشبيه بسلوك "جوجل" أحدثه في هذه الحالة الهدف المهيمن المتمثل في وقف "ميكروسوف" عن إنجاز صفقة خاصة بها مع AOL. ويقول: "ذلك يثبت أنهما سيلعبان في المجال ذاته كباقي منافسيهما". ويضيف: "إذا رفضا المشاركة وتركا AOL لتسقط بين يدي ميكروسوفت، فإن ذلك سيكون خطوة سيئة جداً جداً".
وبينما يتأقلمان مع الوقائع الجديدة للحياة في إدارة الشركة العملاقة، فإن برين وبيج لا يظهران أية إشارة للاستسلام بشأن طموحاتهما الكبيرة. وفي مجال البحث، يتوقع برين إنجازات تقنية جديدة في كل جزء منها تكون جذرية كتلك السابقة. ويقول: "أعتقد أنه حتى مع ذلك، من الصعب أن نتخيل في الوقت الحاضر، إنجاز نظام الاختلاف الجاذب ذاته".
ورغم ذلك، فإن طموحات مؤسسي "جوجل" تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ غرقا في مجالات بعيدة جداً تصل إلى مجالات علم الأحياء المجهري واكتشاف الفضاء.
ومع وجود أكثر الإنجازات التقنية تقدماً، والشركات الأكثر ثراء على الكوكب في متناول يديهما، فلماذا لا يحلما على نطاق كبير؟
ويقول برين: "تملك جوجل بنية تحتية محوسبة يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة لعلم الأحياء المجهري أو علم الأحياء المحوسب". ويضيف: "لا أعتقد أننا نقيد أنفسنا بالتحديد، أو لدينا رؤية لنحو 20 عاماً أو ما يشبه ذلك، ولا أعتقد أننا نكره عمل شيء جديد".
وما إذا كان برين وبيج سيحصلان على فرصة لنشر أجنحتهما، فإن ذلك لا يزال يعتمد على ما إذا كان بإمكانهما الوصول إلى ما بعد القانون الأول لـ "جوجل". ويقول يوفي: "هذا أشبه بميكروسوفت أكثر مما ترغب في التفكير فيه". ومع هيمنة "ميكروسوفت" على برامج سطح المكتب، فإن "جوجل" تصنع كل أموالها في مجال واحد هو البحث، لكنها تسارع إلى تجربة العديد من النشاطات الجديدة الأخرى. ويقول: "لديهما الكثير من التجريب، والتجريب هو أمر ممتع. لكنهما لم ينشئا أي قطاع عمل ناجح آخر بعد".
ويقترح ذلك صورتين محتملتين للمستقبل لمؤسسي "جوجل". إحداهما هي أن شركتهما أصبحت أحدث مثال للسهم السحري لوادي السليكون. ويمكن أن يكون نجمهما لمع أكثر من نجم أعزاء الوادي السابقين مثل "نتسكيب"، لكن بعد عشرة أو 20 عاماً من اليوم، هل ستذكر "جوجل" بأنها شيء أكثر من كونها شركة سيطرت لفترة وجيزة على تقنية عرضية؟
وفي المستقبل الآخر، يفتح مورد الحوسبة الهائل الذي شيداه سيلاً متواصلاً من الاختراقات أمام "جوجل" والآخرين. وبما يتوافر لهما من أموال وتكنولوجيا أولية وقوة دماغ فاقت ما توافر لغيرهما لتوجيهها نحو أكثر مشاكل الحوسبة تعقيداً في العالم ، فإنهما سيهيمنان على تقنية المعلومات والعلوم الحياتية في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.
وبإدراك قوي من جانبهما لشبابهما والاحتمالات اللانهائية التي تعد بها تقنيتهما، فإن برين وبيج ليسا موشكين على تقييد احتمالات لا تزال ماثلة أمامهما. ويقول باتيلي: "لا أزال أعتقد أنهما يبحثان عن طموحاتهما طويلة الأمد، فهما لا يزالان في ريعان الشباب، وهما ثريان". وإحدى الإمكانيات، كما يشير، هي الخلود. وبالحكم من خلال ضحكته العصبية، يبدو أنه يميل إلى حالة من نصف المزاح
كلام طوييييييييييييل عن عبقريي جوجل !! امن يحب يقرأ
فعلاً مقاله قيمة اشكرك على نقلها وانصح الكل بقرائتها
ومساهمة مني هذا تكبير لها لتسهيل القرائة :
ريتشارد واترز - - 29/11/1426هـ
في بعض الأحيان، يكون من المجدي التفكير على نطاق واسع. وما عليك سوى التحدث إلى سيرجي برين، أحد مؤسسي "جوجل" Google، لتعرف على نحو سريع أنه لا يريد أن يكون مقيداً بالمقاييس العادية للنجاح التي تحدد الوجود اليومي لمعظم بني البشر. ويقول: "نحاول السعي خلف العوائد الكبيرة، سواء فيما يتعلق ببناء الشركة، أو ما يعود منها على العالم".
ولم يخجل كل من برين والمؤسس المشارك، لاري بيج، اللذين ما زال كل منهما في الثانية والثلاثين من العمر فقط، بشأن طموحاتهما الكبيرة جداً. وكان واحد من الأهداف التي تم توضيحها في بيان غير عادي أثناء انطلاق شركتهما في "وول ستريت العام" الماضي هو في"جعل العالم مكاناً أفضل مما هو عليه"، ولم تكن تلك الفكرة بعيدة عما هو واضح على السطح.
ولدى سماع برين يترنم حالياً بمستقبل البحث على الإنترنت، يصبح من الواضح رؤية النطاق الواسع لتفكيره هو وبيج. ويقول: "إذا أُتيحت لك الفكرة فوراً بما يشبه دماغاً ثانياً تقريباً، فستكون في أفضل حال". ولما كان برين ـ رجل الواجهة بين الاثنين - يخطو خطوة إلى الأمام، كان بيج الذي ظهر لتوه ينسل بشكل صامت، خارج الغرفة بابتسامة تحمل رائحة المؤامرة.
ودماغ الإنسان، على حد قول برين، هو "برهان قائم على كيفية جعل البحث أفضل". وهذه الشريحة البيولوجية من "السهل جداً استخدامها، من ناحية ما، وهي سريعة جداً، وأسرع بكثير من طريقة العمل التفاعلي بين الإنسان/ والكمبيوتر في وقتنا الحاضر... وبناء عليه، من الواضح أن هناك مجالاً كبيراً لإجراء التحسينات، وليس هناك سقف صلب نضرب عليه".
فهل تماثل محركات البحث يوماً قوة دماغ الإنسان؟ لماذا لا؟ فعندما يتجاوز عمرك 30 عاماً، ومع وجود ما تم وصفه بأنه أقوى مصدر للحوسبة في العالم في متناول يدك، ووجود مليارات الدولارات التي يتم إنفاقها، فإن كل شيء يبدو ممكناً.
ومنذ بداياتهما، طالبين لما بعد التخرج في جامعة ستانفورد في قلب وادي السليكون، لم يخش برين وبيج مطلقاً من التفكير في أشياء كبيرة، أو جعل نفسيهما بعيدين عن الجماهير. ويقول ديفيد يوفي، أستاذ التجارة الدولية في مدرسة هارفارد للأعمال: "إنهما ذهبا عكس التيار". وفي أواخر التسعينيات، وبعد فترة لا بأس بها من ازدهار الإنترنت، أصبح البحث الإلكتروني غير مرغوب فيه كنشاط عملي مدر للأموال، أو كمجال مهم تكنولوجياً. ويقول يوفي: "أخذا جانبا من النشاط قرر الجميع أنه جانب منته". وكانت النتيجة واحدة من أكثر قصص قطاع الأعمال نجاحا في حقبة الكمبيوتر.
ومن عدة جوانب، كان عام 2005 هو العام الذي أصبحت فيه فكرة كل من برين وبيج الكبيرة موضة العصر، رغم أنه ما زال عليهما إثبات أن بإمكانهما تأمين حيز لـ "جوجل" في تاريخ قطاع الأعمال، بحيث يغدو أكثر من مجرد طرطشة إنترنت أخرى، رغم أنها مذهلة.
وتطلب مجرد الوصول إلى هذا الحد بذل بعض الجهد. ويقول جون باتيلي، مؤلف كتاب "البحث" The Search وهو واحد من أوائل الكتب التي تحدثت عن الشركة الصغيرة: "لا بد أنها كانت فترة محيرة جداً، لكن يبدو أنهما استطاعا تخطيها بشكل رائع جداً".
وتردد صدى تأثير محرك البحث "جوجل" في شتى أرجاء العالم. وبينما تعتبر "ياهو" Yahoo منافساً قريباً في الولايات المتحدة، فإن ثلاثة من أربعة محركات للبحث التي تم تنفيذها في أماكن أخرى تم إنجازها على أسس "جوجل". وفي الوقت الذي يصبح فيه عدد أكبر من سكان العالم على الإنترنت، فإن ذلك حولها إلى قوة اجتماعية وسياسية مهمة. ويقول برين حول إمكانية الوصول إلى المعلومات التي تمنحها "جوجل": "كان الأمر ديمقراطياً عبر البلدان وداخلها. لم يكن لدى أكثر الباحثين أهمية في جامعة ستانفورد قبل 10 أعوام مضت نوع الوصول إلى المعلومات الذي يملكه اليوم أي شخص قريب من مقهى للإنترنت في بنغلادش".
ومن غير المدهش أن هذا النوع من السلطة على المعلومات اجتذب المعارضين - وهو أمر بدا في وقت ما أنه اجتذب برين وبيج في مثالية الشباب الخاصة بهما دون وعي منهما. وما زالا على نحو واضح، يصارعان مع التسهيلات التي حصلا عليها للفوز بإمكانية الوصول إلى الصين، حيث تتم مراقبة محرك البحث الخاص بهما. وفي إشارة أخرى خلال هذا العام إلى الشكوك التي بدأت تتجمع حول سلطتهما العالمية، أثار السياسيون في فرنسا واليابان فكرة إيجاد محرك بحث إنترنت وطني خاص بهم من أجل مواطنيهم.
وإذا بدأت قوة محرك "جوجل" تشكيل إمكانية الوصول إلى المعرفة من قبل المجتمعات كافة في إدارة الرؤوس، فإن قطاع أعمال الإعلانات على الإنترنت الذي ساعد على إيجاده، أشعل ما يشبه الفزع في بعض زوايا وسائل الإعلام، والاتصالات، وصناعة البرمجيات.
وربما بدا في الماضي قطاع عمل ربط إعلانات "رئيسية" مع نتائج البحث، خطاً جانبياً واعداً بالنسبة إلى"جوجل" و"ياهو" اللتين كانتا رائدتي الفكرة. وخلال هذا العام على أية حال، ازدادت عوائد "جوجل"، وتضاعفت عن العام السابق، وحولتها بين ليلة وضحاها إلى أكثر شركات الإعلام شهرة في العالم. وأجبر ذلك الإعلان التقليدي وقطاع الإعلام على إعادة التفكير في خطط الإنترنت الخاصة به، وتقرير ما إذا كانت "جوجل"، مع قدرتها على السيطرة على توجيه اهتمام مستخدمي الإنترنت، حليفاً أم عدواً.
ويقول برين عن الفكرة الرئيسية للإعلان: "لم يفاجئني النجاح، لكنني فوجئت بدرجته". حتى إن قوة القطاع أجبرت العدو الرئيسي، شركة ميكروسوفت Microsoft على تغيير اتجاهها وتركيز معظم جهودها على بناء خدمات الإنترنت الشبيهة بخدمات "جوجل" لاجتذاب جمهور إنترنت أكبر.
وحين أصبحت قوة تقنيتهما وقطاع عملهما واضحين، كان عام 2005 كذلك هو العام الذي أسس فيه برين وبيج شركتهما كشركة تستخدم العديد من ألمع الأفكار في قطاع صناعتهما. وتمثل إغراء العمل لدى أفضل شركة في وادي السليكون في المعركة القانونية التي انفجرت فجأة مع "ميكروسوفت"، حين استقال كيا - فو لي، وهو من أفضل الباحثين، من عمله من أجل إدارة عمليات "جوجل" في الصين.
ويقول يوفي: "إنهم يجتذبون أفضل الأشخاص. أصبحوا مغناطيسا للمواهب". ويضيف: "إن إيجاد ذلك المستوى من روح وقوة المغامرة أمر يرغب الكثير من الشركات الأخرى في محاكاته". والضغوط التي أوجدها هذا النمو السريع، ربما تكشف رغم ذلك الضعف في أنظمة الإدارة الأخرى، لكن عجلات عربة "جوجل" لم تسقط حتى الآن على الأقل.
وجلب النجاح المعارضين، وكشف عن منافسين بإمكان الشركة اليافعة النجاح دون وجودهم. وأثار أيضا أسئلة حول قدرة برين وبيج ـ إلى جانب إيرك شميدت المساعد الخبير من وادي السليكون الذي أُحضر ليكون رئيسا تنفيذيا مسؤولا ـ على النمو في ظل الأدوار الجديدة التي أوجدها لهما نجاح شركتهما.
ويدور الحديث كله في الوادي حالياً حول "رد الفعل المعادي لـ "جوجل"، في الوقت الذي من المحتمل أن تتعرض فيه مصالح الشركة القوية لتهديد إعادة تجمع شركات الإنترنت الناشئة. وكان قطاع صناعة الكتب الذي استعدته خطة "جوجل" لإيجاد نسخ رقمية من الكتب المحمية بقانون حق المؤلف وجعلها قابلة للبحث عبر الإنترنت، هو الأول الذي بدأ الهجوم.
ويحاول برين إبعاد الدعاوى القانونية. ويقول: "أعتقد أن هناك بعض الصخب، ولا أعتقد أنه أمر مثير للجدل إلى هذا الحد". ويضيف: "إنني أثق في رسالتنا لجعل المعلومات قابلة للوصول إليها، وأعتقد أن حجما كبيرا من المعرفة في العالم يتم إخفاؤه في الوقت الحاضر عن أعين الناس".
ومثل تلك الادعاءات التي تتضمن أن لـ "جوجل" دوراً رئيسياً لتمثيل مصالح المستهلكين، إلى جانب التأكيدات أنها توجد فرص أعمال جديدة يجب أن يرحب بها الناشرون، عملت على إغضاب ناشري الكتب وأنعشت أيضاً مزاعم الغطرسة التي أحاطت لفترة طويلة بالشركة.
ويلقي أحد الأشخاص المقربين من برين وبيج، رفض الإفصاح عن اسمه، اللوم بشأن الكثير من ذلك على السرعة العالية التي تنمو بها "جوجل": لا يملك المؤسسان ببساطة الوقت لتوضيح نفسيهما أمام شركات وسائل الإعلام كافة، والسياسيين، والآخرين الذين تتقاطع طرقهم حالياً. ويعترف هذا الشخص على أية حال، بأن ذلك يعكس افتقارهما إلى الخبرة. ويقول: "إنهما بريئان، لكنهما يعرفان الكثير حالياً مقارنة بما كانا يعرفانه قبل عامين".
وفي الأمر ما هو أكثر من مجرد عدم الخبرة، إذ تم بناء نجاح برين وبيج على عدم الرغبة في التنازل. ورفضهما اتخاذ الخيارات السهلة كلفهما في بعض الأوقات شركتهما، حسب الشخص المقرب منهما ـ مثلا، حين رفضا نشر الإعلانات على الصفحة الرئيسية الخاصة بهما.
وارتبطت مع ذلك ثقتهما في قوة الفكر والتكنولوجيا. وإن النظام الخوارزمي الذي يقود محرك بحث "جوجل" هو أنقى تعبير لذلك: ففي حين التجأت "ياهو" إلى المحررين من بني البشر لمساعدتها على تصميم بعض خدمات الإنترنت، كان حافز "جوجل" الثقة الكلية في قدرة التقنية على استنباط المنطق من المعلومات البشرية.
ويقول باتيلي: "كل شركة هي من جهة أو أخرى صورة عن الحمض النووي لمؤسسيها". ويضيف: "الحمض النووي لسيرجي ولاري هو إلى حد ما هندسة عنيدة لا تساوم".
وهذا المنهج الفني التقني منفرد التفكير يمكن أن يبعد حتى الداعمين. وكتب دوغ إيدوارد الذي أمضى ستة أعوام في "جوجل" رئيسا لإدارة العلامة التجارية والتسويق للمستهلكين، في مدونته على الإنترنت الشهر الماضي، مستذكراً إذلاله خلال اجتماعه الأول مع برين، عندما سأله مؤسس "جوجل" عن علاماته في المدرسة. وكتب قائلاً: "رغبة سيرجي في اختزال كل قرار إلى معادلة كان يسبب لي قدراً من الإحباط في السنوات التالية". ويضيف: "ففي حين فرض ذلك نظاماً على شخصي كان مفقوداً في سيرتي المهنية حتى تلك النقطة، إلا أنه مضى ضد قناعاتي العميقة جداً بأن بعض الأشياء لا يمكن التعبير عنها ببساطة باشتقاق النظام الخوارزمي الصحيح". والتفوق التقني الذي وصل بهما إلى هذا الحد ربما لن يكون كافياً لضمان النجاح المستمر لبرين وبيج. ويقول مراقبون مثل توم دافنبورت، وهو مستشار إداري وكاتب، إن عليهما تعلم مهارات جديدة. ويضيف: "إنه ليس اعتقادا غير شائع في وادي السليكون أن التقنية تتغلب على كل شيء".
ويضيف: "لكن عليهما في المستقبل أن يقتربا من الأمور كأكثر من مجرد نقطة توقف تقنية". وفهم الطريقة التي يجد بها الأشخاص المعلومات ويستخدمونها هي إلى حد كبير مسألة أنثروبولوجية كما هي تقنية، كما يقول.
وبينما ينتشر تأثير محرك البحث الخاص بهما، فإن تعلم توافق المصالح للشركات الأخرى يصبح أيضا أكثر أهمية. ويذكر باتيلي شراكة هذا الأسبوع مع AOL على أنها أول إشارة لرغبة "جوجل" في التفكير كالشركات الأخرى الناضجة، بموازنة المشهد الاستراتيجي الأوسع قبل طرق تحالف من الراحة المتبادلة. وهذا السلوك غير الشبيه بسلوك "جوجل" أحدثه في هذه الحالة الهدف المهيمن المتمثل في وقف "ميكروسوف" عن إنجاز صفقة خاصة بها مع AOL. ويقول: "ذلك يثبت أنهما سيلعبان في المجال ذاته كباقي منافسيهما". ويضيف: "إذا رفضا المشاركة وتركا AOL لتسقط بين يدي ميكروسوفت، فإن ذلك سيكون خطوة سيئة جداً جداً".
وبينما يتأقلمان مع الوقائع الجديدة للحياة في إدارة الشركة العملاقة، فإن برين وبيج لا يظهران أية إشارة للاستسلام بشأن طموحاتهما الكبيرة. وفي مجال البحث، يتوقع برين إنجازات تقنية جديدة في كل جزء منها تكون جذرية كتلك السابقة. ويقول: "أعتقد أنه حتى مع ذلك، من الصعب أن نتخيل في الوقت الحاضر، إنجاز نظام الاختلاف الجاذب ذاته".
ورغم ذلك، فإن طموحات مؤسسي "جوجل" تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ غرقا في مجالات بعيدة جداً تصل إلى مجالات علم الأحياء المجهري واكتشاف الفضاء.
ومع وجود أكثر الإنجازات التقنية تقدماً، والشركات الأكثر ثراء على الكوكب في متناول يديهما، فلماذا لا يحلما على نطاق كبير؟
ويقول برين: "تملك جوجل بنية تحتية محوسبة يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة لعلم الأحياء المجهري أو علم الأحياء المحوسب". ويضيف: "لا أعتقد أننا نقيد أنفسنا بالتحديد، أو لدينا رؤية لنحو 20 عاماً أو ما يشبه ذلك، ولا أعتقد أننا نكره عمل شيء جديد".
وما إذا كان برين وبيج سيحصلان على فرصة لنشر أجنحتهما، فإن ذلك لا يزال يعتمد على ما إذا كان بإمكانهما الوصول إلى ما بعد القانون الأول لـ "جوجل". ويقول يوفي: "هذا أشبه بميكروسوفت أكثر مما ترغب في التفكير فيه". ومع هيمنة "ميكروسوفت" على برامج سطح المكتب، فإن "جوجل" تصنع كل أموالها في مجال واحد هو البحث، لكنها تسارع إلى تجربة العديد من النشاطات الجديدة الأخرى. ويقول: "لديهما الكثير من التجريب، والتجريب هو أمر ممتع. لكنهما لم ينشئا أي قطاع عمل ناجح آخر بعد".
ويقترح ذلك صورتين محتملتين للمستقبل لمؤسسي "جوجل". إحداهما هي أن شركتهما أصبحت أحدث مثال للسهم السحري لوادي السليكون. ويمكن أن يكون نجمهما لمع أكثر من نجم أعزاء الوادي السابقين مثل "نتسكيب"، لكن بعد عشرة أو 20 عاماً من اليوم، هل ستذكر "جوجل" بأنها شيء أكثر من كونها شركة سيطرت لفترة وجيزة على تقنية عرضية؟
وفي المستقبل الآخر، يفتح مورد الحوسبة الهائل الذي شيداه سيلاً متواصلاً من الاختراقات أمام "جوجل" والآخرين. وبما يتوافر لهما من أموال وتكنولوجيا أولية وقوة دماغ فاقت ما توافر لغيرهما لتوجيهها نحو أكثر مشاكل الحوسبة تعقيداً في العالم ، فإنهما سيهيمنان على تقنية المعلومات والعلوم الحياتية في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.
وبإدراك قوي من جانبهما لشبابهما والاحتمالات اللانهائية التي تعد بها تقنيتهما، فإن برين وبيج ليسا موشكين على تقييد احتمالات لا تزال ماثلة أمامهما. ويقول باتيلي: "لا أزال أعتقد أنهما يبحثان عن طموحاتهما طويلة الأمد، فهما لا يزالان في ريعان الشباب، وهما ثريان". وإحدى الإمكانيات، كما يشير، هي الخلود. وبالحكم من خلال ضحكته العصبية، يبدو أنه يميل إلى حالة من نصف المزاح
ومساهمة مني هذا تكبير لها لتسهيل القرائة :
ريتشارد واترز - - 29/11/1426هـ
في بعض الأحيان، يكون من المجدي التفكير على نطاق واسع. وما عليك سوى التحدث إلى سيرجي برين، أحد مؤسسي "جوجل" Google، لتعرف على نحو سريع أنه لا يريد أن يكون مقيداً بالمقاييس العادية للنجاح التي تحدد الوجود اليومي لمعظم بني البشر. ويقول: "نحاول السعي خلف العوائد الكبيرة، سواء فيما يتعلق ببناء الشركة، أو ما يعود منها على العالم".
ولم يخجل كل من برين والمؤسس المشارك، لاري بيج، اللذين ما زال كل منهما في الثانية والثلاثين من العمر فقط، بشأن طموحاتهما الكبيرة جداً. وكان واحد من الأهداف التي تم توضيحها في بيان غير عادي أثناء انطلاق شركتهما في "وول ستريت العام" الماضي هو في"جعل العالم مكاناً أفضل مما هو عليه"، ولم تكن تلك الفكرة بعيدة عما هو واضح على السطح.
ولدى سماع برين يترنم حالياً بمستقبل البحث على الإنترنت، يصبح من الواضح رؤية النطاق الواسع لتفكيره هو وبيج. ويقول: "إذا أُتيحت لك الفكرة فوراً بما يشبه دماغاً ثانياً تقريباً، فستكون في أفضل حال". ولما كان برين ـ رجل الواجهة بين الاثنين - يخطو خطوة إلى الأمام، كان بيج الذي ظهر لتوه ينسل بشكل صامت، خارج الغرفة بابتسامة تحمل رائحة المؤامرة.
ودماغ الإنسان، على حد قول برين، هو "برهان قائم على كيفية جعل البحث أفضل". وهذه الشريحة البيولوجية من "السهل جداً استخدامها، من ناحية ما، وهي سريعة جداً، وأسرع بكثير من طريقة العمل التفاعلي بين الإنسان/ والكمبيوتر في وقتنا الحاضر... وبناء عليه، من الواضح أن هناك مجالاً كبيراً لإجراء التحسينات، وليس هناك سقف صلب نضرب عليه".
فهل تماثل محركات البحث يوماً قوة دماغ الإنسان؟ لماذا لا؟ فعندما يتجاوز عمرك 30 عاماً، ومع وجود ما تم وصفه بأنه أقوى مصدر للحوسبة في العالم في متناول يدك، ووجود مليارات الدولارات التي يتم إنفاقها، فإن كل شيء يبدو ممكناً.
ومنذ بداياتهما، طالبين لما بعد التخرج في جامعة ستانفورد في قلب وادي السليكون، لم يخش برين وبيج مطلقاً من التفكير في أشياء كبيرة، أو جعل نفسيهما بعيدين عن الجماهير. ويقول ديفيد يوفي، أستاذ التجارة الدولية في مدرسة هارفارد للأعمال: "إنهما ذهبا عكس التيار". وفي أواخر التسعينيات، وبعد فترة لا بأس بها من ازدهار الإنترنت، أصبح البحث الإلكتروني غير مرغوب فيه كنشاط عملي مدر للأموال، أو كمجال مهم تكنولوجياً. ويقول يوفي: "أخذا جانبا من النشاط قرر الجميع أنه جانب منته". وكانت النتيجة واحدة من أكثر قصص قطاع الأعمال نجاحا في حقبة الكمبيوتر.
ومن عدة جوانب، كان عام 2005 هو العام الذي أصبحت فيه فكرة كل من برين وبيج الكبيرة موضة العصر، رغم أنه ما زال عليهما إثبات أن بإمكانهما تأمين حيز لـ "جوجل" في تاريخ قطاع الأعمال، بحيث يغدو أكثر من مجرد طرطشة إنترنت أخرى، رغم أنها مذهلة.
وتطلب مجرد الوصول إلى هذا الحد بذل بعض الجهد. ويقول جون باتيلي، مؤلف كتاب "البحث" The Search وهو واحد من أوائل الكتب التي تحدثت عن الشركة الصغيرة: "لا بد أنها كانت فترة محيرة جداً، لكن يبدو أنهما استطاعا تخطيها بشكل رائع جداً".
وتردد صدى تأثير محرك البحث "جوجل" في شتى أرجاء العالم. وبينما تعتبر "ياهو" Yahoo منافساً قريباً في الولايات المتحدة، فإن ثلاثة من أربعة محركات للبحث التي تم تنفيذها في أماكن أخرى تم إنجازها على أسس "جوجل". وفي الوقت الذي يصبح فيه عدد أكبر من سكان العالم على الإنترنت، فإن ذلك حولها إلى قوة اجتماعية وسياسية مهمة. ويقول برين حول إمكانية الوصول إلى المعلومات التي تمنحها "جوجل": "كان الأمر ديمقراطياً عبر البلدان وداخلها. لم يكن لدى أكثر الباحثين أهمية في جامعة ستانفورد قبل 10 أعوام مضت نوع الوصول إلى المعلومات الذي يملكه اليوم أي شخص قريب من مقهى للإنترنت في بنغلادش".
ومن غير المدهش أن هذا النوع من السلطة على المعلومات اجتذب المعارضين - وهو أمر بدا في وقت ما أنه اجتذب برين وبيج في مثالية الشباب الخاصة بهما دون وعي منهما. وما زالا على نحو واضح، يصارعان مع التسهيلات التي حصلا عليها للفوز بإمكانية الوصول إلى الصين، حيث تتم مراقبة محرك البحث الخاص بهما. وفي إشارة أخرى خلال هذا العام إلى الشكوك التي بدأت تتجمع حول سلطتهما العالمية، أثار السياسيون في فرنسا واليابان فكرة إيجاد محرك بحث إنترنت وطني خاص بهم من أجل مواطنيهم.
وإذا بدأت قوة محرك "جوجل" تشكيل إمكانية الوصول إلى المعرفة من قبل المجتمعات كافة في إدارة الرؤوس، فإن قطاع أعمال الإعلانات على الإنترنت الذي ساعد على إيجاده، أشعل ما يشبه الفزع في بعض زوايا وسائل الإعلام، والاتصالات، وصناعة البرمجيات.
وربما بدا في الماضي قطاع عمل ربط إعلانات "رئيسية" مع نتائج البحث، خطاً جانبياً واعداً بالنسبة إلى"جوجل" و"ياهو" اللتين كانتا رائدتي الفكرة. وخلال هذا العام على أية حال، ازدادت عوائد "جوجل"، وتضاعفت عن العام السابق، وحولتها بين ليلة وضحاها إلى أكثر شركات الإعلام شهرة في العالم. وأجبر ذلك الإعلان التقليدي وقطاع الإعلام على إعادة التفكير في خطط الإنترنت الخاصة به، وتقرير ما إذا كانت "جوجل"، مع قدرتها على السيطرة على توجيه اهتمام مستخدمي الإنترنت، حليفاً أم عدواً.
ويقول برين عن الفكرة الرئيسية للإعلان: "لم يفاجئني النجاح، لكنني فوجئت بدرجته". حتى إن قوة القطاع أجبرت العدو الرئيسي، شركة ميكروسوفت Microsoft على تغيير اتجاهها وتركيز معظم جهودها على بناء خدمات الإنترنت الشبيهة بخدمات "جوجل" لاجتذاب جمهور إنترنت أكبر.
وحين أصبحت قوة تقنيتهما وقطاع عملهما واضحين، كان عام 2005 كذلك هو العام الذي أسس فيه برين وبيج شركتهما كشركة تستخدم العديد من ألمع الأفكار في قطاع صناعتهما. وتمثل إغراء العمل لدى أفضل شركة في وادي السليكون في المعركة القانونية التي انفجرت فجأة مع "ميكروسوفت"، حين استقال كيا - فو لي، وهو من أفضل الباحثين، من عمله من أجل إدارة عمليات "جوجل" في الصين.
ويقول يوفي: "إنهم يجتذبون أفضل الأشخاص. أصبحوا مغناطيسا للمواهب". ويضيف: "إن إيجاد ذلك المستوى من روح وقوة المغامرة أمر يرغب الكثير من الشركات الأخرى في محاكاته". والضغوط التي أوجدها هذا النمو السريع، ربما تكشف رغم ذلك الضعف في أنظمة الإدارة الأخرى، لكن عجلات عربة "جوجل" لم تسقط حتى الآن على الأقل.
وجلب النجاح المعارضين، وكشف عن منافسين بإمكان الشركة اليافعة النجاح دون وجودهم. وأثار أيضا أسئلة حول قدرة برين وبيج ـ إلى جانب إيرك شميدت المساعد الخبير من وادي السليكون الذي أُحضر ليكون رئيسا تنفيذيا مسؤولا ـ على النمو في ظل الأدوار الجديدة التي أوجدها لهما نجاح شركتهما.
ويدور الحديث كله في الوادي حالياً حول "رد الفعل المعادي لـ "جوجل"، في الوقت الذي من المحتمل أن تتعرض فيه مصالح الشركة القوية لتهديد إعادة تجمع شركات الإنترنت الناشئة. وكان قطاع صناعة الكتب الذي استعدته خطة "جوجل" لإيجاد نسخ رقمية من الكتب المحمية بقانون حق المؤلف وجعلها قابلة للبحث عبر الإنترنت، هو الأول الذي بدأ الهجوم.
ويحاول برين إبعاد الدعاوى القانونية. ويقول: "أعتقد أن هناك بعض الصخب، ولا أعتقد أنه أمر مثير للجدل إلى هذا الحد". ويضيف: "إنني أثق في رسالتنا لجعل المعلومات قابلة للوصول إليها، وأعتقد أن حجما كبيرا من المعرفة في العالم يتم إخفاؤه في الوقت الحاضر عن أعين الناس".
ومثل تلك الادعاءات التي تتضمن أن لـ "جوجل" دوراً رئيسياً لتمثيل مصالح المستهلكين، إلى جانب التأكيدات أنها توجد فرص أعمال جديدة يجب أن يرحب بها الناشرون، عملت على إغضاب ناشري الكتب وأنعشت أيضاً مزاعم الغطرسة التي أحاطت لفترة طويلة بالشركة.
ويلقي أحد الأشخاص المقربين من برين وبيج، رفض الإفصاح عن اسمه، اللوم بشأن الكثير من ذلك على السرعة العالية التي تنمو بها "جوجل": لا يملك المؤسسان ببساطة الوقت لتوضيح نفسيهما أمام شركات وسائل الإعلام كافة، والسياسيين، والآخرين الذين تتقاطع طرقهم حالياً. ويعترف هذا الشخص على أية حال، بأن ذلك يعكس افتقارهما إلى الخبرة. ويقول: "إنهما بريئان، لكنهما يعرفان الكثير حالياً مقارنة بما كانا يعرفانه قبل عامين".
وفي الأمر ما هو أكثر من مجرد عدم الخبرة، إذ تم بناء نجاح برين وبيج على عدم الرغبة في التنازل. ورفضهما اتخاذ الخيارات السهلة كلفهما في بعض الأوقات شركتهما، حسب الشخص المقرب منهما ـ مثلا، حين رفضا نشر الإعلانات على الصفحة الرئيسية الخاصة بهما.
وارتبطت مع ذلك ثقتهما في قوة الفكر والتكنولوجيا. وإن النظام الخوارزمي الذي يقود محرك بحث "جوجل" هو أنقى تعبير لذلك: ففي حين التجأت "ياهو" إلى المحررين من بني البشر لمساعدتها على تصميم بعض خدمات الإنترنت، كان حافز "جوجل" الثقة الكلية في قدرة التقنية على استنباط المنطق من المعلومات البشرية.
ويقول باتيلي: "كل شركة هي من جهة أو أخرى صورة عن الحمض النووي لمؤسسيها". ويضيف: "الحمض النووي لسيرجي ولاري هو إلى حد ما هندسة عنيدة لا تساوم".
وهذا المنهج الفني التقني منفرد التفكير يمكن أن يبعد حتى الداعمين. وكتب دوغ إيدوارد الذي أمضى ستة أعوام في "جوجل" رئيسا لإدارة العلامة التجارية والتسويق للمستهلكين، في مدونته على الإنترنت الشهر الماضي، مستذكراً إذلاله خلال اجتماعه الأول مع برين، عندما سأله مؤسس "جوجل" عن علاماته في المدرسة. وكتب قائلاً: "رغبة سيرجي في اختزال كل قرار إلى معادلة كان يسبب لي قدراً من الإحباط في السنوات التالية". ويضيف: "ففي حين فرض ذلك نظاماً على شخصي كان مفقوداً في سيرتي المهنية حتى تلك النقطة، إلا أنه مضى ضد قناعاتي العميقة جداً بأن بعض الأشياء لا يمكن التعبير عنها ببساطة باشتقاق النظام الخوارزمي الصحيح". والتفوق التقني الذي وصل بهما إلى هذا الحد ربما لن يكون كافياً لضمان النجاح المستمر لبرين وبيج. ويقول مراقبون مثل توم دافنبورت، وهو مستشار إداري وكاتب، إن عليهما تعلم مهارات جديدة. ويضيف: "إنه ليس اعتقادا غير شائع في وادي السليكون أن التقنية تتغلب على كل شيء".
ويضيف: "لكن عليهما في المستقبل أن يقتربا من الأمور كأكثر من مجرد نقطة توقف تقنية". وفهم الطريقة التي يجد بها الأشخاص المعلومات ويستخدمونها هي إلى حد كبير مسألة أنثروبولوجية كما هي تقنية، كما يقول.
وبينما ينتشر تأثير محرك البحث الخاص بهما، فإن تعلم توافق المصالح للشركات الأخرى يصبح أيضا أكثر أهمية. ويذكر باتيلي شراكة هذا الأسبوع مع AOL على أنها أول إشارة لرغبة "جوجل" في التفكير كالشركات الأخرى الناضجة، بموازنة المشهد الاستراتيجي الأوسع قبل طرق تحالف من الراحة المتبادلة. وهذا السلوك غير الشبيه بسلوك "جوجل" أحدثه في هذه الحالة الهدف المهيمن المتمثل في وقف "ميكروسوف" عن إنجاز صفقة خاصة بها مع AOL. ويقول: "ذلك يثبت أنهما سيلعبان في المجال ذاته كباقي منافسيهما". ويضيف: "إذا رفضا المشاركة وتركا AOL لتسقط بين يدي ميكروسوفت، فإن ذلك سيكون خطوة سيئة جداً جداً".
وبينما يتأقلمان مع الوقائع الجديدة للحياة في إدارة الشركة العملاقة، فإن برين وبيج لا يظهران أية إشارة للاستسلام بشأن طموحاتهما الكبيرة. وفي مجال البحث، يتوقع برين إنجازات تقنية جديدة في كل جزء منها تكون جذرية كتلك السابقة. ويقول: "أعتقد أنه حتى مع ذلك، من الصعب أن نتخيل في الوقت الحاضر، إنجاز نظام الاختلاف الجاذب ذاته".
ورغم ذلك، فإن طموحات مؤسسي "جوجل" تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ غرقا في مجالات بعيدة جداً تصل إلى مجالات علم الأحياء المجهري واكتشاف الفضاء.
ومع وجود أكثر الإنجازات التقنية تقدماً، والشركات الأكثر ثراء على الكوكب في متناول يديهما، فلماذا لا يحلما على نطاق كبير؟
ويقول برين: "تملك جوجل بنية تحتية محوسبة يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة لعلم الأحياء المجهري أو علم الأحياء المحوسب". ويضيف: "لا أعتقد أننا نقيد أنفسنا بالتحديد، أو لدينا رؤية لنحو 20 عاماً أو ما يشبه ذلك، ولا أعتقد أننا نكره عمل شيء جديد".
وما إذا كان برين وبيج سيحصلان على فرصة لنشر أجنحتهما، فإن ذلك لا يزال يعتمد على ما إذا كان بإمكانهما الوصول إلى ما بعد القانون الأول لـ "جوجل". ويقول يوفي: "هذا أشبه بميكروسوفت أكثر مما ترغب في التفكير فيه". ومع هيمنة "ميكروسوفت" على برامج سطح المكتب، فإن "جوجل" تصنع كل أموالها في مجال واحد هو البحث، لكنها تسارع إلى تجربة العديد من النشاطات الجديدة الأخرى. ويقول: "لديهما الكثير من التجريب، والتجريب هو أمر ممتع. لكنهما لم ينشئا أي قطاع عمل ناجح آخر بعد".
ويقترح ذلك صورتين محتملتين للمستقبل لمؤسسي "جوجل". إحداهما هي أن شركتهما أصبحت أحدث مثال للسهم السحري لوادي السليكون. ويمكن أن يكون نجمهما لمع أكثر من نجم أعزاء الوادي السابقين مثل "نتسكيب"، لكن بعد عشرة أو 20 عاماً من اليوم، هل ستذكر "جوجل" بأنها شيء أكثر من كونها شركة سيطرت لفترة وجيزة على تقنية عرضية؟
وفي المستقبل الآخر، يفتح مورد الحوسبة الهائل الذي شيداه سيلاً متواصلاً من الاختراقات أمام "جوجل" والآخرين. وبما يتوافر لهما من أموال وتكنولوجيا أولية وقوة دماغ فاقت ما توافر لغيرهما لتوجيهها نحو أكثر مشاكل الحوسبة تعقيداً في العالم ، فإنهما سيهيمنان على تقنية المعلومات والعلوم الحياتية في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.
وبإدراك قوي من جانبهما لشبابهما والاحتمالات اللانهائية التي تعد بها تقنيتهما، فإن برين وبيج ليسا موشكين على تقييد احتمالات لا تزال ماثلة أمامهما. ويقول باتيلي: "لا أزال أعتقد أنهما يبحثان عن طموحاتهما طويلة الأمد، فهما لا يزالان في ريعان الشباب، وهما ثريان". وإحدى الإمكانيات، كما يشير، هي الخلود. وبالحكم من خلال ضحكته العصبية، يبدو أنه يميل إلى حالة من نصف المزاح